تحدثنا من قبل عن جانبين من مواطن القوة بأمريكا ، و كان الجانب الأول عن الكونجرس الأمريكي و آلية إتخاذ القرار ، و كان الجانب الثاني عن آلية إنتخاب الرئيس .
و في الجزأ الثالث نتحدث عن جانب آخر من مواطن القوة داخل تلك الدولة ، و هو التضامن الإجتماعي ، و سبب أهمية الموضوع أنه يضمن حد أدنى للمعيشة للشعب كله دون إستثناء ، فالفقر المدقع لا يعرف باباً للدخول إلى الشعب الأمريكي ! و قد يرد البعض أنه يوجد بعض المتسولين في شوارع أمريكا الممتدة من المحيط إلى المحيط فكيف إذاً أجزم أنا بأنه يوجد حد أدنى للمعيشة !؟ و هو حد يقرن بميسوري الحال في بعض الدول مثل مصر على سبيل المثال ، و الواقع أنه لا وجه للمقارنة .
و تعالوا بنا نعرف آلية التضامن الإجتماعي في هذه البلاد :
تعد الضرائب في أمريكا من الأشياء التي لا تقبل إستثناءات أو مجاملات فالشعب كله يدفع الضرائب و تختلف نسبة الضراب من ولاية إلى أخرى ، و من لا يدفع الضرائب يعرض نفسه إلى خطر كبير و كل من يريد السفر في أمريكا عليه أن يقدم ما يفيد أنه قد إلتزم بالوفاء بما عليه من ضرائب ، و هناك ولايات لا تفرض ضراب على الدخل مثل فلوريدا على سبيل المثال و هناك ولايات تصل الضرائب فيها إلى 14 % و 20 % ، في النهاية الشعب كله يدفع الضرائب الغني و متوسط الحال و كل من يستطيع أن يكتسب قوت يومه .
و كل ضريبة تدفع يخصص جزأ منها إلى الحكومة الفيدرالية و يعد هذا الجزأ من أهم موارد الحكومة الفيدرالية ، كما يخصص الباقي لحكومة الولاية .
الأهم الآن هو عملية تدوير تلك الأموال في الدولة سواء على المستوى الفيدرالي أو الولاية الواحدة .
لذلك علينا أن نعلم شيئاً مهماً ، و هو أن المال العام يحميه القانون بسياج من حديد كما يحمي المال الخاص أيضاً ، و لأمريكا نظام مالي سهل جداً و بقدر سهولته المتناهية بقدر دقته المتناهية أيضاً و نظام المحاسبات المالية يتطور بتطور الزمن فهو مثل التكنولوجيا ، و من هنا نجد أن كل دولار تجمعه الحكومة الفيدرالية أو الولايات يمكن أن نعلم أين ذهب و من حصل عليه .. هذا بداية .
و أهم مصارف الضرائب التي يتم جمعها من الشعب يكون لمنظمات المجتمع لمدني و التي تحصل على جانب كبير من تمويلها من الحكومة الفيدرالية و أيضاً من الولايات التي تتبعها ، و يوجد في أمريكا أكثر من 6 مليون منظمة مجتمع مدني و جميعها تحصل على تمويلات و جميعها أيضاً لها نفس النظام المالي الذي تتبعه الدولة و الولايات .
و منظمات المجتمع المدني بقدر عدهها الكبير فإنها أيضاً متنوعة الإختصاصات فبعضها خاص بالديمقراطية و البعض بحقوق الإنسان و البعض بحرية الرأي و التعبير ، و آخر خاص بالمرأة و آخر بالطفل و آخر بالنبات و جزأ آخر بالحيوانات و الرفق بها ، و منظمات أخرى تقدم خدمات طبية و هكذا .... إلخ
و مصارف منظمات المجتمع المدني تذهب إلى الأفراد و قد تذهب إليهم نقداً ! في شكل مساعدات مالية و قد تذهب إليهم في شكل نشاطات ثقافية أو منح تعليمية أو .... إلخ
و الأفراد يقومون بعد ذلك بدفع الضرائب مرة أخرى و التي يذهب جزأ منها إلى الحكومة الفيدرالية و الجزأء الآخر يذهب إلى حكومة الولاية و هكذا .. تدور العملية المالية في شكل دائري و تلتقف في دورتها أشياء كثيرة مثل الفقر و الأمراض و كل الموبقات ، و تحاقظ تلك الدورة المالية على الصحة و الجمال و الطبيعة و ... إلخ .
إن جباية الضرائب و تدويرها بالشكل الموجود في هذه الدولة هو عملية تدوير لأموال الكل بحيث لا يوجد فقر أو ما شابه ، و قد يسأل البعض و ماذا عن بعض المتسولين مع العلم بأنهم قلة قليلة جداً مقارنة بدول أخرى ، و للإجابة فإننا يجب أن نعلم بأن الفقير يجد الحكومة ملزمة بدفع مصاريفه اليومية و مستلزماته من طعام و شراب و إن لم يكن لديه مسكن فإن الحكومة توفر له المسكن هذا بخلاف المساعدات التي تأتي إلى الفقراء من منظمات المجتمع المدني ، و لكن هناك من يتسولون لأجل خمور أو مخدرات و هذه أمور لا يتبرع بها أحد .
الواقع أنني و أنا أتابع عملية تداول الأموال و التضامن الإجتماعي الرائع الناتج عنها تساءلت أليس في الإسلام ركن هو "الزكاة" و سؤالي أين تذهب أموال الزكاة .
و في حديثنا القادم لنا وقفة مع موطن آخر من مواطن القوة و هو حماية المرأة .. حيث سيكون لنا حديث قد يكون جديد و ليئ بالمفاجآت .. فإلى لقاء آخر إن شاء الله
شادي طلعت