بقلم / د. سعد الدين إبراهيم .. هل للمصريين بالخارج أى وزن فى الانتخابات؟

بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢/ ١٠/ ٢٠١٠

عقد تحالف المصريين بالولايات المتحدة، الذى يرأسه المهندس محمود العشماوى مؤتمره الخامس، بالعاصمة الأمريكية واشنطن، خلال الفترة من ١٧ إلى ٢٠ سبتمبر ٢٠١٠، والذى كان موضوعه الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة.

وشارك فى أعمال المؤتمر حوالى مائة من أعضاء التحالف، والذين هم فى معظمهم من كبار المهنيين ورجال الأعمال، من بينهم المصرفى مُحسن خالد، والطبيبان طارق السعداوى، ومصطفى الخشاب، والمُحامية دينا جرجس، والطبيبة دينا درويش، ورجل الأعمال طارق خليل، والخبير الاقتصادى د. نعيم الشربينى، والتربوى المُخضرم إبراهيم حسين.

كما شارك عدد من النشطاء السياسيين والإعلاميين من مصر، يتقدمهم د. أسامة الغزالى حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، ورجل الأعمال شادى طه، مُمثلاً لـ«د.أيمن نور» وحزب الغد، والمحامى شادى طلعت، مؤسس اتحاد المحامين الليبراليين، والصحفى النابه مصباح قطب، والصحفية النابهة سارة كمال.

كانت الانتخابات الرئاسية، نوفمبر ٢٠١١، هى موضوع المؤتمر لذلك حرص التحالف على دعوة المُرشحين المُحتملين لهذا المنصب وهم د. محمد البرادعى، والسيد جمال مُبارك، ود.أيمن نور، ود.السيد البدوى، وأ. حمدين صباحى. ومن الإخوان المسلمين د.عبدالمنعم أبوالفتوح، الذى وجه كلمة مُسجلة بالأقمار الصناعية للمؤتمر. ولم يحضر ولم يعتذر أقطاب الحزب الوطنى الذين دعاهم التحالف.

إن معيشة هؤلاء المصريين فى مجتمع ديمقراطى، جعلتهم يتمرسون بقواعده الديمقراطية. لذلك كان حرصهم شديداً على إعطاء فُرص مُتكافئة لكل ألوان الطيف السياسى المصرى. وكان الجميع يتحاورون بُحرية واحترام وهو مشهد نادر، هذه الأيام فى وطنهم الأم مصر.

وربما كانت هذه هى إحدى حسنات المعيشة فى مُجتمع ديمقراطى مثل الولايات المتحدة، أو المجتمعات الأوروبية. وبالمناسبة كان ذلك هو حال الطلبة العرب الذين كانوا يُدرسون فى أوروبا فى أواخر القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، بل إن هؤلاء الدارسين ـ بمن فيهم مصطفى كامل وأحمد لطفى السيد، وسعد زغلول- هم عُماد العصر الليبرالى، الذى نعمت به مصر فى النصف الأول من القرن العشرين.

ومن القواعد المُستقرة بين مُعظم عرب المهجر، فى منتدياتهم ـ على الأقل أولئك الذين يعيشون فى الغرب- أنه «لا تخوين»، و«لا تكفير»، و«لا تشويه».

فإلى عدة سنوات مضت، ظل المصريون فى المهجر يحملون إلى جانب كل مآثر الوطن الحبيب وفصائله، بعض أمراضه ورذائله، من ذلك سوء إدارة الخلاف فى الرأى والمُبادرة بنعت المُخالفين ـ إما بالخيانة، أو الكُفر، أو القُبح. فالناصريون والتقدميون عموماً كانوا ينعتون خصومهم «بالخيانة» للوطن أو الأمة. والإسلاميون، مثل الإخوان والجماعات التى تفرعت منهم، كانوا ينعتون من يختلف معهم بالكفر والإلحاد. أما الليبراليون ـ الديمقراطيون فقد كانوا ينعتون من لا يُشاركهم ليبراليتهم ونهجهم الديمقراطى بأنهم «مُتخلفون» أو «مُشوهون». ولكن التعود على الخلاف «المُتحضر» من حولهم هنا فى مجتمع غربى ديمقراطى، قد جعلهم تدريجياً يتعلمون هذه المُمارسة.

فلا أحد عندنا أو عندهم يولد «ديمقراطياً»، أى يتعايش مع «الرأى» و«الرأى الآخر»، ولكن أى إنسان عندنا، كما عندهم، يستطيع أن يتعلم ويُمارس هذا التعايش. وهو ما حدث ويحدث للمصريين، فى غضون سنوات قليلة من إقامتهم فى أى بلد ديمقراطى مثل هولندا، أو السويد، أو الولايات المتحدة. ولا يقتصر ذلك على مستوى المُمارسة السلوكية، ولكن أيضاً على مستوى الطموح.

وقد كتبنا عدة أسابيع عن الشاب محمد نبيل إبراهيم، أحد الأقارب من قرية بدين ـ دقهلية، والذى عاش فى هولندا لمدة عشر سنوات، ادخر فيها ما يقرب من مليونى جنيه مصرى، واكتسب خبرات عديدة ومهارات مُتنوعة. وضمن ذلك ارتفع سقف طموحه السياسى، فعاد إلى مصر منذ سنة، وفى ذهنه أن يترشح لمجلس الشعب.

وفى مؤتمر تحالف المصريين ـ الأمريكيين (١٧-٢٠/٩/٢٠١٠) صادفت حالة، أكثر طموحاً من حالة محمد نبيل إبراهيم الهولندى المصرى، وهى حالة عبدالوهاب حسن، الذى جاء إلى الولايات المتحدة مُهاجراً منذ ستة عشر عاماً، واشتغل فى البداية سائق تاكسى، ثم بعد عدة سنوات، ادخر، واشترى التاكسى الذى كان يعمل عليه، ثم اشترى سيارتين أخريين وتم تشغليهما فى تدشين «مُغامراته» أو مُخاطراته التجارية. ونجحت مُبادراته الواحدة بعد الأخرى ـ بما فى ذلك تجارة العقارات. وهو يملك حالياً عدة عمارات بكل منها شقق سكنية للإيجار فى المُثلث الذى تتوسطه واشنطن العاصمة، وهو ولاياتا فرجينيا وميرلاند.

ورغم أن مُعظم المُشاركين فى المؤتمر لم يأخذوا عبدالوهاب حسن مأخذ الجد فى البداية، إلا أن مُداخلاته أثناء جلسات العمل، جعلتهم تدريجياً يصغون إليه. فقد تميزت مُداخلاته بجملها القصيرة، وتركيزها على تقديم الحلول لمشكلات مصر المُعاصرة. لقد كان عبدالوهاب حسن يتحدث، كما لو كان بالفعل يُخاطب الجماهير فى حملته الانتخابية الرئاسية. وحينما سألنى عبدالوهاب حسن عن رأيى فى فكرة ترشيحه، كان رأيى أن يعود إلى مصر، ثم يُجرّب قدراته فى التواصل مع المواطنين فى الانتخابات البرلمانية ـ لأحد المجلسين، الشعب أو الشورى، ثم بعد ذلك الترشيح للرئاسة.

سألت عبدالوهاب حسن، بدورى، عن رأيه فيما يمكن أن يُقدمه المصريون فى الخارج لإخوانهم داخل مصر؟ قال بلا تردد: إن المصريين فى أمريكا محظوظون مهنياً، ومادياً، وأكثر ثقافة وخبرة. ولأنهم لا يحتاجون ولا يبحثون عن مصالح شخصية، فإنهم أكثر صلاحية لتقديم الرأى والمشورة والخبرة العلمية لأبناء وطنهم مصر.

ومن الطريف أن أحد أبرز الاقتصاديين المصريين فى واشنطن، وهو د. نعيم الشربينى، أخذ عبدالوهاب حسن مأخذ الجدّ، وأخذه جانباً لمُناقشته فى برنامجه لإصلاح أحوال مصر الاقتصادية. ولدهشته، وجد أن الرجل له نظرات وآراء ثاقبة، لا فقط حول الاقتصاد، ولكن أيضاً حول التعليم، والصحة، والمواصلات، والشئون الخارجية.

سألت عبدالوهاب حسن، متى وما الذى جعله يُفكر فى الترشيح لهذا المنصب الرئاسى، أجاب «لأن باراك أوباما، رغم أنه زنجى فى مجتمع أغلبيته بيضاء، ونسبة كبيرة منهم عنصريون، نجح فى أن يصعد تدريجيا، ويُقنع أغلبية المجتمع الأمريكى بأنه يصلح للرئاسة.. ثم إن الرئيس السادات كان سائقاً، مثله، فى مرحلة من حياته، ومع ذلك نجح وحاز إعجاب كثيرين، داخل مصر وفى العالم كله».

وهكذا، تفعل المجتمعات الديمقراطية، بمن يعيشون لعدة سنوات على أرضها، حتى لو كانوا قد نشأوا أصلاً، فى بُلدان غير ديمقراطية. فتحية للفلاح الفصيح محمد نبيل إبراهيم ابن قرية بدين الذى هاجر إلى هولندا ثم عاد إلى مصر، وهو مُصمم على الترشح لمجلس الشعب. وتحية لعبدالوهاب حسن، سائق التاكسى العصامى، الذى هاجر إلى أمريكا، وأصبح مليونيراً، ويُريد العودة إلى مصر لكى يترشح لرئاسة الجمهورية.

والله أعلم

semibrahim@gmail.com